لقد اكتشف علماء الوراثة جوانب بسيطة من تأثير العوامل البيئية على النطفة، حيث تتكون صفات لم تكن في ميراث الآباء والأمهات، أما الكثير فبقي طي الكتمان، وظلت أسراره غير مكتشفة بسبب ارتكاز العلم الحديث في دراسته على النتائج والظواهر والاعتماد في الدراسات على دراسة أسرار الظواهر المرضية أو الخلقية بعد حصولها ونشوئها، ولما لم يكن الإنسان خالقا لنفسه فهو عاجز عن معرفة أسرار الخلقة وخفايا المداخلات التي تطرأ عليها.
فصانع جهاز الكومبيوتر هو الأعرف من غيره من البشر بأسرار الصنعة وتشغيلها، ومعرفة مداخلات الخلل الذي يطرأ عليها، كذلك الأمر بالنسبة إلى طبيعة خلقة الإنسان ونشأته وبناء صنعته فإن خالقه هو الأعرف دون غيره بها وبما يستلزم لها وما ينتج منها وما تتأثر بها وتؤثر فيها مما يحيط بها في البيئة.
وبهذا فإن رجال العلم الحديث بمختلف اختصاصاتهم الطبية والوراثية ولواحق هذه العلوم لم يتمكنوا من الإحاطة بكل ما يتداخل في تركيب خلق الإنسان وما يؤثر في صفاته، سواء كانت الجسمية أو العقلية، وحتى الأعراض المرضية،سوى أنهم توصلوا عبر أدوات البحث المتاحة لديهم إلى أن للبيئة آثارا على مستقبل النطفة وتطورها، فتؤثر في الصفات المودعة فيها فتعبث فيها وتغير من صفات الطفل الذي سيتكون منها، ومن تلك الآثار هي :
أولا : تأثير العوامل المشعة
ولأن النطفة عادة ما تتكون من مركبات وعناصر كيمياوية في داخل الخلية الحيّة، فمن الطبيعي أن يكون للعوامل المشعة تأثير على النطفة خصوصا في فترة نقل الصفات الوراثية عبر سلالة التاريخ الوراثية التي تنطوي عليها والمخزونة فيها على شكل مستودعات حيوية داخل الجينات الوراثية. علما أن المستودعات التي تخزن المعلومات الوراثية، هي الأخرى مركبات كيمياوية معقدة وتسمى (نيوكليوتايدات) حسب اصطلاح علم الوراثة، ومفردها ( نيوكليوتايد) .
ومن طبيعة العوامل المشعة أن تتسلل إلى تلك الجزيئات الكيمياوية فتحدث تأثيرا على تركيبها كعادة المداخلات الإشعاعية مع المركبات الكيمياوية الأخرى. وبالنتيجة فإن تأثرا يحصل في التركيب الجزيئي الكيمياوي للـ ( dna ) الأمر الذي يحدث اضطرابات في عملية نقل الصفات البدنية والنفسية، والـ ( dna ) هو: عبارة عن جزيئات في داخل الخلايا التي تنقل المعلومات الوراثية وتنقلها من جيل إلى آخر.
فعلم الوراثة يقول أن هناك تشوهات تأتي (نتيجة تعرض الفرد لعوامل البيئة، مثل التأين الإشعاعي سواء أ كان طبيعيا أم اصطناعيا)، وأخطر مرض تسببه الإشعاعات هو سرطان الدم المعروف بإسم (لوكيميا) وخاصة في الأطفال، وقد يصاب الأب في خلاياه الجنسية وينقلها إلى أطفاله.
ومن هذا الكلام نفهم ما يلي:
أولا : تأثير الإشعاعات على النطفة يؤثر على الخلايا الناقلة للمعلومات الوراثية فيها.
ثانيا : تأثير الإشعاعات الصناعية في المراكز الصحية أو الطبيعية مثل الشمس حينما تكون الأرض بزاوية معينة مع الشمس وتعكس أشعة ضارة، أو عند حدوث كسوف يعكس على الأرض إشعاعات ضارة أو أية تفاعلات كونية غير طبيعية تسبب نوعا من الإشعاعات الضارة، فإنها تترك تأثيراً على النطفة وبالذات الخلايا الجنسية لكل من الأبوين، فتؤثر على نقل الصفات والمعلومات الوراثية للأبناء.
ثالثا : يقول علماء علم الوراثة: ( إن أخطر مرض تسببه الإشعاعات هو اللوكيميا ) وهو مرض فتاك يؤدي إلى الموت، وإلا فإن أمراضا أخرى تحصل عند التعرض للإشعاعات دون الموت، كأمراض التشوهات الجسمية أو الذهنية.
وكما عرفنا أن المعلومات الوراثية مخزونة في النطفة وبالذات في الشريط الناقل لها والمعروف بالـ(dna) والذي يتكون على شكل مخازن مكونة من عناصر كيمياوية، الأمر الذي يؤكد تأثرها بشكل طبيعي بالإشعاع، فتتأثر حينها عملية نقل الصفات الوراثية، مما يؤدي إلى إنتاج صفات مشوهة تبعا لذلك .
ثانيا : : تأثير العوامل الكيمياوية
عادة ما تكون العوامل الكيمياوية ذات تأثير بالغ في إحداث خلل في العوامل الناقلة للصفات الوراثية ( الجينات ) وذلك بتداخل تلك المواد الكيمياوية مع التركيبة الكيمياوية للجينات الوراثية في الكروموسومات، والتي يشكل الـ( dna ) التركيب الجزيئي الكيمياوي للكروموسوم .
فالكيمياويات التي تتعرض لها الأم مثلا في فترة الحمل وتحديداً الفترة التي يمر فيها الجنين بمرحلة التكوين فتتعرض خلاياه إلى مجموعة من التفاعلات الكيمياوية الحيوية، تؤثر على طبيعة نقل الصفات التكوينية البدنية والنفسية للطفل، سواء كانت تلك المواد الكيمياوية آتية عن طريق الغذاء كالأدوية أو المواد السامة، أو التعرض الخارجي للمواد الكيمياوية عبر التنفس أو اللمس، لذلك ترى الأطباء عادة ما يحذرون الأم الحامل من تناول الأدوية الكيمياوية في فترة الحمل لكونها الفترة التي يمر فيها الجنين بمرحلة إفصاح الجين حيث يعبّر الجين وهو ( العامل الوراثي ) فيها عما يحمله من صفات ليترجمها على شكل ظاهري ووجود بدني، في عملية تسمى بالاستنساخ.
وهذه العوامل الكيمياوية هي أكثر أهمية وخطورة من الإشعاعات لوجودها بكثرة في البيئة ولتعرض الفرد لها طيلة حياته، فهي منتشرة في المواد الزراعية والصناعية والأدوية التي تستعمل كل يوم.
ولما كان الطب يحذر الأم الحامل من التعرض للمواد الكيمياوية، لكون فترة الحمل هي فترة تفاعلات كيمياوية لتكوين الجنين في رحم أمه كذلك فهو من غير المستبعد، بل من المؤكد أن يؤثر ذلك التعرض على الأب والأم قبل فترة الحمل، خصوصا إذا تعرضت الخلايا الجنسية لكل من الأبوين للعوامل الكيمياوية، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث تشوهات في الجينات والعوامل الوراثية .
ثالثا : : تأثير العوامل الخارجية
هذه العوامل تشمل جميع المؤثرات باستثناء العوامل الكيمياوية، ولربما الإشعاعية منها والحرارية وكذلك عملية الإخصاب وكيفيتها فهي تؤدي إلى التأثير على بعض الأجزاء المسؤولة عن نقل المعلومات الوراثية في الـ (جين) أو جزء منه أثناء عملية الإخصاب، فقد تؤثر في إحداث اختلالات بدنية أو نفسية على الجنين، وهذا عادة ما تغفل عنه الكثير من البحوث، والثابت في تعاليم الإسلام وبالذات في نواهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يشير إلى هذا العامل حيث قد نهى مثلا عن مقاربة الزوج زوجته حال القيام، فإن قضى بينهما ولد فلا يأمن أن يكون بوالا، ومثل هذه الأحاديث كثيرة تستدعي من علماء الوراثة البحث فيها لاختصار الوقت والجهد من اجل الوصول إلى المزيد من اكتشاف ما يخدم البشرية في تلافي ما هو ضار والحث على ما هو نافع من العوامل المؤثرة في عملية نقل الصفات الصالحة وتلافي المذمومة منها.
ولعل طريقة المقاربة التي تحدث خللا في التكوين الوظيفي للجهاز البولي للطفل، تأتي من اضطراب يحصل أثناء تلقيح الخلية الذي يجري عبر عمليات كيمياوية حيوية كثيرة معقدة بسبب الاضطراب النفسي أو بعض الممارسات، فعامل السلوك الفردي ونوعية التصرف يؤثران على عملية إفصاح (الجين) عن معلوماته التي يحملها أثناء عملية استنساخ إنسان جديد من مجموع صفات الآباء.
وخلاصة القول فأن هناك عوامل متعددة تدخل مؤثرة على الجينات مما تحدث اضطرابات في التكوين البدني أو النفسي للطفل الوليد، ومن تلك العوامل ما تحمله البيئة وما يصدر من تصرفات الانسان و أيضاً عوامل مشعة، وكثير منها مازال يكتنفها الغموض وقد أفصحت عنها الأحاديث الشريفة.
من هنا وجب الالتفات إلى التعاليم الإسلامية والتوجيهات النبوية التي تؤكد على كل من الأب والأم بضرورة الاهتمام بالضوابط الدينية التي تحث على رعاية الآباء أبناءهم قبل الزواج وقبل المقاربة وحين المباشرة ، وكل ذلك من اجل الوصول إلى افضل الصفات الطيبة لغرض انتخابها في الوليد الجديد وكذلك تلافي استنساخ الصفات السيئة في الوليد القادم إلى هذه الدنيا.
-----------
إن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها تأثير عميق وفعّال في حياته وتكوّن شخصيّته ، فالإنسان منذ نعومة أظفاره يتأثر وينفعل بما يجري حوله من ممارسات .
فإنه يكتسب مزاجه وأخلاقه وممارساته و طريقة تفكيره من المحيط أو البيئة التي يعيش فيها .
وقد تبيّن أنّ للوالدين ، ولسلوك العائلة ، ووضعيّة الطفل في العائلة ، دوراً كبيراً في تحديد شخصيّته وصقلها وبلورتها وتحديد معالمها .
كما أن للمعلّم ، والأصدقاء ، والمجتمع ووسائله الإعلامّية ، وعاداته ، وأسلوب حياته ، الأثر المباشر والكبير على سلوك الطفل وكيفيّة تفكيره .
إلاّ أنّنا نلاحظ ـ انطلاقاً من فلسفة الإسلام العامّة والتربويّة خاصّة ـ أنْ ليس لعالم الطفل الخارجي بمختلف مصادره ومع شدّة تأثيره القدرة كلّيّاً وبصورة قاطعة و إلى الأبد في تحديد معالم شخصيّة الإنسان ، وتأطير مواقفه ، بل لإرادة الإنسان الذاتيّة القويّة دور فعّال في تحديد سلوكه ومعتقداته وممارساته .
لأنّ الإنسان في ظلّ الاعتقاد بالتعاليم الإسلاميّة الحقّة ، ويتعرف على ما فيه الخير والصلاح والسعادة له ولغيره ، فيعمل به .
وكذلك يتعرف على ما فيه الشرّ والفساد والشقاء له ولغيره ، فيتجنب عنه ، وبهذا يحصل على العقلية الواعية التي يتمكن بها من توجيه سلوكه والوقوف بوجه جميع التيارات السلبية المضادة التي تحاول أن تجرفه معها .
من هنا جاء التأكيد في التربية الإسلاميّة على القيم والأخلاق والمبادئ ، كحقائق مستقلّة متعالية على تأثيرات الواقع ، ليتمكن الإنسان بها أن يصون نفسه من الآثار السلبية خلال تواجده في البيئة المنحرفة من الآثار السلبية .
فبالإرادة الذاتيّة المحصّنة من تأثيرات المحيط ، والثابتة على القيم والمبادئ السامية على واقع العالم المحيط بالإنسان ـ يتمكن الإنسان من الوقوف بوجه الواقع المنحرف .
وهذا التقويم الواقعي السليم لمنطق التأريخ ، الذي يعطي الإنسان قيمته الحقيقيّة في هذا العالم الرحب ، ويضعه في محلّه المناسب له ، هو بعينه تقويم التشريع الإسلاميّ للإنسان .
والذي قد جاء صريحاً في القرآن الكريم : بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [ القيامة : 15 ] .
كما يقول الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لا تكن إمّعة تقول أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، بل وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ) .
فصانع جهاز الكومبيوتر هو الأعرف من غيره من البشر بأسرار الصنعة وتشغيلها، ومعرفة مداخلات الخلل الذي يطرأ عليها، كذلك الأمر بالنسبة إلى طبيعة خلقة الإنسان ونشأته وبناء صنعته فإن خالقه هو الأعرف دون غيره بها وبما يستلزم لها وما ينتج منها وما تتأثر بها وتؤثر فيها مما يحيط بها في البيئة.
وبهذا فإن رجال العلم الحديث بمختلف اختصاصاتهم الطبية والوراثية ولواحق هذه العلوم لم يتمكنوا من الإحاطة بكل ما يتداخل في تركيب خلق الإنسان وما يؤثر في صفاته، سواء كانت الجسمية أو العقلية، وحتى الأعراض المرضية،سوى أنهم توصلوا عبر أدوات البحث المتاحة لديهم إلى أن للبيئة آثارا على مستقبل النطفة وتطورها، فتؤثر في الصفات المودعة فيها فتعبث فيها وتغير من صفات الطفل الذي سيتكون منها، ومن تلك الآثار هي :
أولا : تأثير العوامل المشعة
ولأن النطفة عادة ما تتكون من مركبات وعناصر كيمياوية في داخل الخلية الحيّة، فمن الطبيعي أن يكون للعوامل المشعة تأثير على النطفة خصوصا في فترة نقل الصفات الوراثية عبر سلالة التاريخ الوراثية التي تنطوي عليها والمخزونة فيها على شكل مستودعات حيوية داخل الجينات الوراثية. علما أن المستودعات التي تخزن المعلومات الوراثية، هي الأخرى مركبات كيمياوية معقدة وتسمى (نيوكليوتايدات) حسب اصطلاح علم الوراثة، ومفردها ( نيوكليوتايد) .
ومن طبيعة العوامل المشعة أن تتسلل إلى تلك الجزيئات الكيمياوية فتحدث تأثيرا على تركيبها كعادة المداخلات الإشعاعية مع المركبات الكيمياوية الأخرى. وبالنتيجة فإن تأثرا يحصل في التركيب الجزيئي الكيمياوي للـ ( dna ) الأمر الذي يحدث اضطرابات في عملية نقل الصفات البدنية والنفسية، والـ ( dna ) هو: عبارة عن جزيئات في داخل الخلايا التي تنقل المعلومات الوراثية وتنقلها من جيل إلى آخر.
فعلم الوراثة يقول أن هناك تشوهات تأتي (نتيجة تعرض الفرد لعوامل البيئة، مثل التأين الإشعاعي سواء أ كان طبيعيا أم اصطناعيا)، وأخطر مرض تسببه الإشعاعات هو سرطان الدم المعروف بإسم (لوكيميا) وخاصة في الأطفال، وقد يصاب الأب في خلاياه الجنسية وينقلها إلى أطفاله.
ومن هذا الكلام نفهم ما يلي:
أولا : تأثير الإشعاعات على النطفة يؤثر على الخلايا الناقلة للمعلومات الوراثية فيها.
ثانيا : تأثير الإشعاعات الصناعية في المراكز الصحية أو الطبيعية مثل الشمس حينما تكون الأرض بزاوية معينة مع الشمس وتعكس أشعة ضارة، أو عند حدوث كسوف يعكس على الأرض إشعاعات ضارة أو أية تفاعلات كونية غير طبيعية تسبب نوعا من الإشعاعات الضارة، فإنها تترك تأثيراً على النطفة وبالذات الخلايا الجنسية لكل من الأبوين، فتؤثر على نقل الصفات والمعلومات الوراثية للأبناء.
ثالثا : يقول علماء علم الوراثة: ( إن أخطر مرض تسببه الإشعاعات هو اللوكيميا ) وهو مرض فتاك يؤدي إلى الموت، وإلا فإن أمراضا أخرى تحصل عند التعرض للإشعاعات دون الموت، كأمراض التشوهات الجسمية أو الذهنية.
وكما عرفنا أن المعلومات الوراثية مخزونة في النطفة وبالذات في الشريط الناقل لها والمعروف بالـ(dna) والذي يتكون على شكل مخازن مكونة من عناصر كيمياوية، الأمر الذي يؤكد تأثرها بشكل طبيعي بالإشعاع، فتتأثر حينها عملية نقل الصفات الوراثية، مما يؤدي إلى إنتاج صفات مشوهة تبعا لذلك .
ثانيا : : تأثير العوامل الكيمياوية
عادة ما تكون العوامل الكيمياوية ذات تأثير بالغ في إحداث خلل في العوامل الناقلة للصفات الوراثية ( الجينات ) وذلك بتداخل تلك المواد الكيمياوية مع التركيبة الكيمياوية للجينات الوراثية في الكروموسومات، والتي يشكل الـ( dna ) التركيب الجزيئي الكيمياوي للكروموسوم .
فالكيمياويات التي تتعرض لها الأم مثلا في فترة الحمل وتحديداً الفترة التي يمر فيها الجنين بمرحلة التكوين فتتعرض خلاياه إلى مجموعة من التفاعلات الكيمياوية الحيوية، تؤثر على طبيعة نقل الصفات التكوينية البدنية والنفسية للطفل، سواء كانت تلك المواد الكيمياوية آتية عن طريق الغذاء كالأدوية أو المواد السامة، أو التعرض الخارجي للمواد الكيمياوية عبر التنفس أو اللمس، لذلك ترى الأطباء عادة ما يحذرون الأم الحامل من تناول الأدوية الكيمياوية في فترة الحمل لكونها الفترة التي يمر فيها الجنين بمرحلة إفصاح الجين حيث يعبّر الجين وهو ( العامل الوراثي ) فيها عما يحمله من صفات ليترجمها على شكل ظاهري ووجود بدني، في عملية تسمى بالاستنساخ.
وهذه العوامل الكيمياوية هي أكثر أهمية وخطورة من الإشعاعات لوجودها بكثرة في البيئة ولتعرض الفرد لها طيلة حياته، فهي منتشرة في المواد الزراعية والصناعية والأدوية التي تستعمل كل يوم.
ولما كان الطب يحذر الأم الحامل من التعرض للمواد الكيمياوية، لكون فترة الحمل هي فترة تفاعلات كيمياوية لتكوين الجنين في رحم أمه كذلك فهو من غير المستبعد، بل من المؤكد أن يؤثر ذلك التعرض على الأب والأم قبل فترة الحمل، خصوصا إذا تعرضت الخلايا الجنسية لكل من الأبوين للعوامل الكيمياوية، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث تشوهات في الجينات والعوامل الوراثية .
ثالثا : : تأثير العوامل الخارجية
هذه العوامل تشمل جميع المؤثرات باستثناء العوامل الكيمياوية، ولربما الإشعاعية منها والحرارية وكذلك عملية الإخصاب وكيفيتها فهي تؤدي إلى التأثير على بعض الأجزاء المسؤولة عن نقل المعلومات الوراثية في الـ (جين) أو جزء منه أثناء عملية الإخصاب، فقد تؤثر في إحداث اختلالات بدنية أو نفسية على الجنين، وهذا عادة ما تغفل عنه الكثير من البحوث، والثابت في تعاليم الإسلام وبالذات في نواهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يشير إلى هذا العامل حيث قد نهى مثلا عن مقاربة الزوج زوجته حال القيام، فإن قضى بينهما ولد فلا يأمن أن يكون بوالا، ومثل هذه الأحاديث كثيرة تستدعي من علماء الوراثة البحث فيها لاختصار الوقت والجهد من اجل الوصول إلى المزيد من اكتشاف ما يخدم البشرية في تلافي ما هو ضار والحث على ما هو نافع من العوامل المؤثرة في عملية نقل الصفات الصالحة وتلافي المذمومة منها.
ولعل طريقة المقاربة التي تحدث خللا في التكوين الوظيفي للجهاز البولي للطفل، تأتي من اضطراب يحصل أثناء تلقيح الخلية الذي يجري عبر عمليات كيمياوية حيوية كثيرة معقدة بسبب الاضطراب النفسي أو بعض الممارسات، فعامل السلوك الفردي ونوعية التصرف يؤثران على عملية إفصاح (الجين) عن معلوماته التي يحملها أثناء عملية استنساخ إنسان جديد من مجموع صفات الآباء.
وخلاصة القول فأن هناك عوامل متعددة تدخل مؤثرة على الجينات مما تحدث اضطرابات في التكوين البدني أو النفسي للطفل الوليد، ومن تلك العوامل ما تحمله البيئة وما يصدر من تصرفات الانسان و أيضاً عوامل مشعة، وكثير منها مازال يكتنفها الغموض وقد أفصحت عنها الأحاديث الشريفة.
من هنا وجب الالتفات إلى التعاليم الإسلامية والتوجيهات النبوية التي تؤكد على كل من الأب والأم بضرورة الاهتمام بالضوابط الدينية التي تحث على رعاية الآباء أبناءهم قبل الزواج وقبل المقاربة وحين المباشرة ، وكل ذلك من اجل الوصول إلى افضل الصفات الطيبة لغرض انتخابها في الوليد الجديد وكذلك تلافي استنساخ الصفات السيئة في الوليد القادم إلى هذه الدنيا.
-----------
إن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها تأثير عميق وفعّال في حياته وتكوّن شخصيّته ، فالإنسان منذ نعومة أظفاره يتأثر وينفعل بما يجري حوله من ممارسات .
فإنه يكتسب مزاجه وأخلاقه وممارساته و طريقة تفكيره من المحيط أو البيئة التي يعيش فيها .
وقد تبيّن أنّ للوالدين ، ولسلوك العائلة ، ووضعيّة الطفل في العائلة ، دوراً كبيراً في تحديد شخصيّته وصقلها وبلورتها وتحديد معالمها .
كما أن للمعلّم ، والأصدقاء ، والمجتمع ووسائله الإعلامّية ، وعاداته ، وأسلوب حياته ، الأثر المباشر والكبير على سلوك الطفل وكيفيّة تفكيره .
إلاّ أنّنا نلاحظ ـ انطلاقاً من فلسفة الإسلام العامّة والتربويّة خاصّة ـ أنْ ليس لعالم الطفل الخارجي بمختلف مصادره ومع شدّة تأثيره القدرة كلّيّاً وبصورة قاطعة و إلى الأبد في تحديد معالم شخصيّة الإنسان ، وتأطير مواقفه ، بل لإرادة الإنسان الذاتيّة القويّة دور فعّال في تحديد سلوكه ومعتقداته وممارساته .
لأنّ الإنسان في ظلّ الاعتقاد بالتعاليم الإسلاميّة الحقّة ، ويتعرف على ما فيه الخير والصلاح والسعادة له ولغيره ، فيعمل به .
وكذلك يتعرف على ما فيه الشرّ والفساد والشقاء له ولغيره ، فيتجنب عنه ، وبهذا يحصل على العقلية الواعية التي يتمكن بها من توجيه سلوكه والوقوف بوجه جميع التيارات السلبية المضادة التي تحاول أن تجرفه معها .
من هنا جاء التأكيد في التربية الإسلاميّة على القيم والأخلاق والمبادئ ، كحقائق مستقلّة متعالية على تأثيرات الواقع ، ليتمكن الإنسان بها أن يصون نفسه من الآثار السلبية خلال تواجده في البيئة المنحرفة من الآثار السلبية .
فبالإرادة الذاتيّة المحصّنة من تأثيرات المحيط ، والثابتة على القيم والمبادئ السامية على واقع العالم المحيط بالإنسان ـ يتمكن الإنسان من الوقوف بوجه الواقع المنحرف .
وهذا التقويم الواقعي السليم لمنطق التأريخ ، الذي يعطي الإنسان قيمته الحقيقيّة في هذا العالم الرحب ، ويضعه في محلّه المناسب له ، هو بعينه تقويم التشريع الإسلاميّ للإنسان .
والذي قد جاء صريحاً في القرآن الكريم : بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [ القيامة : 15 ] .
كما يقول الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لا تكن إمّعة تقول أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، بل وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ) .